سجن الكلمة: قراءة قانونية وحقوقية في قضايا سنية الدهماني

تنويه: تم نشر هذا المقال على موقع جمعية تقاطع 

ملخص:

سنية الدهماني، محامية وإعلامية تونسية، تقبع في السجن منذ شهر ماي من سنة 2024. تم اعتقال ضحية الانتهاك واقتيادها إلى السجن على خلفية تصريحاتها الإعلامية والتلفزية، فيما يتعلق بقضايا المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، علاوة على انتقادها لوضعية السجون التونسية، في ظل مناخ عام يتسم بالتضييق المتزايد على الأصوات الناقدة وتقويض الحريات. لم تكن سنية بمنأى عن التتبعات العدلية والتهم الكيدية، ليكون لها نصيب من سياسة التشفي والتنكيل بالإعلاميين والمحامين وكل الأصوات الحرة. إذ تعلّقت بها جملة 5 قضايا على معنى المرسوم عدد 54 متكونة من 4 جنح وجناية، إلى جانب المعاملة السجنية الرديئة وانتهاك أبسط حقوقها في محاكمة تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة.

المنهجية:

تم إعداد هذا التوثيق بناءً على قراءة ومعالجة للإجراءات القانونية التي طالت المحامية والإعلامية الأساتذة سنية الدهماني، مع مراعاة البعد الزمني لتطورات القضية منذ انطلاقها. ارتكز التوثيق على رصد للمعلومات المستقاة من إفادات أعضاء هيئة الدفاع، إلى جانب محتويات نُشرت في وسائل إعلام رسمية ومواقع إخبارية إلكترونية ذات مصداقية. وقد خضعت هذه الوقائع لتقاطع تحليلي مع الإطار القانوني التونسي، ومجلة الإجراءات الجزائية، وكذلك مع النصوص الدستورية. كما تم قياس مدى توافق الممارسات المتّبعة مع الالتزامات الدولية لتونس، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير، الحق في الدفاع، ومبادئ المحاكمة العادلة.

أحداث الانتهاك:

سنية الدهماني محامية، تظهر في عدد من البرامج الإذاعية والتلفزية كإعلامية تُعلّق على الأحداث اليومية والقضايا الراهنة في تونس. خلال أحد البرامج التي تطرّقت إلى أزمة تدفق المهاجرين غير النظاميين وتعاطي السلطات والمجتمع التونسي معهم، أدلت بتعليق ساخر ‘’ شوف هاك البلاد الهائلة ‘‘. وهي مقولة متداولة عند عموم الشعب التونسي، تستعمل في سياقات مختلفة للتعبير عن عدم الرضا عن الصورة التي يقدم بها موقفا فيه مغالاة وتوجيه متعلّق بموضوع ” الهجرة غير النظامية قصد الاستيطان وتغيير التركيبة الديمغرافية”.

العبارة التي تسببت في اتهامها بتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج، وترويج، ونشر، وإرسال، وإعداد أخبار وإشاعات كاذبة بهدف الإضرار بالأمن العام، والحث على خطاب الكراهية.

حيث تلقت بتاريخ 09 ماي 2024، إعلاما بأنها محل تتبع قضائي، حيث أذنت وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس بفتح بحث تحقيقي ضدها، على معنى الفصل 24 من المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية. وهو ما رفضته ضحية الانتهاك، حتى أصدر قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بتونس بطاقة جلب قضائية في حقها، يوم الجمعة 10 ماي 2024، فتوجّهت إثره إلى مقر الهيئة الوطنية للمحامين بتونس “دار المحامي”، لتعلن اعتصامها ورفضها للقرار الصادر ضدها.

وبتاريخ 11 ماي 2024، داهمت قوات الشرطة مكان اعتصام ضحية الانتهاك، مع محاصرة المكان وتطويقه[1]، في عملية طغى عليها العنف، حيث تم اقتياد سنية الدهماني إلى سيارة الشرطة، مع الاعتداء على عدد من الصحفيين المتواجدين هناك، ودفعهم ومنعهم من التغطية والتصوير. وهو ما يُعتبر خرقًا جسيمًا للقانون، بوصف دار المحامي مقرًا من مقرات الهيئة الوطنية المتمتعة بحماية قانونية خاصة، طبقًا للقانون، وخاصة أحكام الفصل 46 من المرسوم المنظم لقطاع المحاماة.

وبعد إيقافها مدة يومين، أصدر قاضي التحقيق في 13 ماي 2024 بطاقة إيداع بالسجن في حق ضحية الانتهاك، وإيداعها بالسجن المدني للنساء في منوبة. وهنا صرح لسان الدفاع عنها أنه لم يتم استنطاقها، وأن قاضية التحقيق أصدرت بطاقة إيداع بالسجن من دون توفير الحد الأدنى للدفاع والمحاكمة العادلة. ومنذ ذلك التاريخ تم حرمان سنية من حريتها لتجد نفسها في كل مرة أمام قضية جديدة إزاء تصريحاتها الإعلامية.

في 11 جوان2024، مثلت ضحية الانتهاك مجددًا أمام قاضي التحقيق لسماعها في قضيتين، بسبب تصريحات إعلامية أخرى تتعلق بذات الموضوع الذي يهم المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء ومسألة العنصرية في تونس.[2] حيث أصدر قاضي التحقيق الأوّل بالمحكمة الابتدائية في تونس بطاقة إيداع جديدة بالسجن بحقها.

ويروي محامي ضحية الانتهاك، سامي بن غازي، أنه تم الاستماع إلى سنية الدهماني بخصوص تصريحات إعلامية حول العنصرية في تونس، مؤكدًا أن لا علاقة للتصريحات موضوع التحقيق بالإشاعات.

 وقد أُبقيت بحالة سراح على ذمة قضية، وإصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقّها على ذمة القضية الأخرى. كما أشار إلى أن جميع التتبعات تستند إلى الفصل 24 من المرسوم عدد 54، مؤكدًا أنه تم إثارة هذه القضايا ضد سنية الدهماني على خلفية تصريحات إعلامية مغايرة لتلك التي سُجنت إثرها في شهر ماي.

حيث كان ذلك خلال مشاركتها في برنامج إذاعي على إحدى المحطات التونسية. وخلال هذا التصريح، تناولت الأستاذة ظاهرة العنصرية حيث تحدثت على هذه الظاهرة الاجتماعية في المجتمع التونسي، وخصّت بالذكر التمييز الممارس ضدّ المواطنين الأفارقة القادمين من دول جنوب الصحراء، الذين يعانون من مظاهر الإقصاء والتهميش وسوء المعاملة في عديد من الحالات.

وتأتي القضية الأخرى إثر تصريح آخر أدلت به في إحدى القنوات التلفزية الخاصة. حيث قدّمت قراءة تحليلية للواقع الاجتماعي المتأزم آنذاك، مسلطة الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء، والذين كانوا يواجهون حملات تحريضية وخطابات كراهية ممنهجة اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي.

يوم 06 جويلية 2024 المحكمة الابتدائية بتونس تقضي بالسجن لمدة سنة[3] مع النفاذ في حق ضحية الانتهاك على معنى المرسوم عدد 54 في القضية التي عرفت بعبارة “البلاد الهايلة” وقد صرح محامو سنية بأنهم طالبوا بعدم سماع الدعوى لعدم وجود جريمة بالأساس، إلا أن المحكمة اعتبرت التصريح الإعلامي موضوع القضية يمثل إشاعة وخبرا زائفا ويستوجب عقوبة سجنية تقدر بسنة كاملة.

 ثم وفي الطور الاستئنافي[4]، ودون حضور محامي ضحية الانتهاك الى الجلسة في خرق صارخ الى الحق في الدفاع حوكمت ب 8 أشهر سجنا بتاريخ 10 سبتمبر 2024.

ويجدر الذكر أن ضحية الانتهاك تعرضت خلال مراحل محاكمتها إلى جملة من الانتهاكات الصارخة لحقوقها كمواطنة تونسية وكشخص محتجز ومسلوب من حريته إذ تجلّت بشكل خاص خلال الجلسة الاستئنافية للقضية التي كان من المزمع عقدها بتاريخ 20 أوت 2024، قبل أن يتم تأجيلها. فأثناء نقلها إلى قاعة المحكمة لحضور الجلسة، خضعت سنية لعملية تفتيش مهينة شملت كامل جسدها، في إجراء يتعارض مع الحقوق التي تصون كرامتها الإنسانية[5]. وقد رفضت إدارة السجن تمكينها من ارتداء حذائها، كما فُرض عليها ارتداء “السفساري” كشرط لدخول القاعة، وهو إجراء تقليدي يُطلب من السجينات عادةً في القضايا التي يُراد فيها فرض مظاهر محافظة أو ربطها بما يسمى بالأخلاق العامة، وخاصة في القضايا التي يراد فيها إخفاء هوية المتهمة. ورغم اعتراضها المبدئي، اضطرت في نهاية المطاف إلى القبول بهذا الشرط، ما يعكس حجم الضغوط والإجراءات التمييزية التي تتعرض لها.” [6].

 إلا أنه وعند كل ذلك تم إعلامها من قبل مديرة السجن أنها لن تستطيع التنقل إلى قاعة المحكمة بتعلة تجاوزها الوقت المسموح به للذهاب. في حين صرّح محامو ضحية الانتهاك أن الجلسة انطلقت على الساعة 12:30 ظهرا. كما أن النيابة طلبت محاكمتها دون حضورها. في المقابل طلبت إدارة السجن منها أن تقوم بالإمضاء على أوراق حول عدم قدرتها على حضور الجلسة وهو ما امتنعت عنه ضحية الانتهاك لما فيه من انتهاك لحقوقها.

بتاريخ 24 أكتوبر 2024، قضت الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائيّة بتونس بالحكم ابتدائيّا بالسجن لسنتين في ذات القضية المتعقلة بالتصريحات الصادرة عن ضحية الانتهاك وتعرضت فيها إلى وجود ظاهرة العنصرية في تونس[7]، ولم تقف المسألة عند هذا الحد، حيث قام لسان الدفاع بالطعن في الحكم أمام محكمة الاستئناف، التي قضت بدورها بتاريخ 24 جانفي 2025، بتخفيف العقوبة إلى سنة ونصف سجن[8] مع الإبقاء على صبغة النفاذ في الحكم.

إلى جانب القضايا المتعلقة بموضوع الهجرة غير النظامية والعنصرية، تلاحق سنية الدهماني تهم أخرى إثر شكاية تقدمت بها الهيئة العامة للسجون والإصلاح والتي تم تكييفها على أساس أنها جناية، وذلك أيضًا بموجب مقتضيات المرسوم عدد 54. وتكتسي هذه القضية طابعًا خاصًا من حيث الأطراف وتداعياتها القانونية، إذ إن الهيئة، بصفتها مؤسسة عمومية، تُعتبر في هذا السياق “موظفًا عموميًا” بحسب تصنيف القانون، وهو ما يفتح المجال أمام تسليط العقوبة القصوى المنصوص عليها، والتي قد تصل إلى عشر سنوات سجن[9]، في سابقة خطيرة.

وقد صرّح عضو هيئة الدفاع عن ضحية الانتهاك[10]، في إفادة لجمعية “تقاطع من أجل الحقوق والحريات”، بأن جلسة المحاكمة قد تم تعيينها أمام أنظار الدائرة الجنائية الرابعة بالرغم من الطعن القانوني العميق الذي يحيط بمشروعية إحالة هذا الملف، بل بشرعية تطبيق المرسوم 54 نفسه على هذه الحالة. في هذا السياق أصدرت محكمة التعقيب، وهي أعلى هيئة قضائية في تونس، قرارًا يقضي بنقض قرار دائرة الاتهام السابق بتاريخ 3 فيفري 2025، معتبرة أن المرسوم عدد 54 لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُطبّق على هذه القضية.

وقد أصدرت دائرة الاتهام قرار بتاريخ 10 أفريل 2025 على إعادة تكييف الوقائع استنادًا إلى نفس مقتضيات المرسوم 54، متجاهلة تمامًا مفعول قرار محكمة التعقيب، وأحالت الملف مباشرة إلى الدائرة الجنائية دون انتظار القرار المنتظر من الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب، التي من المفترض أن تحسم بصورة نهائية في قابلية تطبيق المرسوم 54 على القضايا ذات الصلة بحرية الإعلام.

 فيما يخص القضية الأخيرة فهي لا تزال إلى حدّ الآن في طور التحقيق ولم تُحال بعد على القضاء، إذ لا تزال الإجراءات جارية في مرحلة الأبحاث الأولية. وتأتي هذه القضية، كسابقاتها، على معنى المرسوم عدد 54 لسنة 2022، في استمرار واضح لنسق التتبعات القضائية ضد الأستاذة سنية الدهماني.

بتاريخ 30 جوان 2025 انعقدت جلسة للنظر في القضية المتعلقة بتصريحات ضحية الانتهاك حول وجود ظاهرة العنصرية في تونس بالرغم من تقديم لسان الدفاع طلبا للتأخير لإحضار نسخة قانونية من حكم استئنافي سابق يؤكد صحة ما جاء على لسان ضحية الانتهاك. وفي شهادته لجمعية تقاطع أكد محامي سنية الدهماني، أن موكلته كانت قد حوكمت على نفس الأقوال لكن في محطة إذاعية أخرى.

وهنا قررت المحكمة حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم دون مرافعات، في سابقة لا تدل سوى على المضي قدمًا في انتهاك الحق في المحاكمة وعدم احترام حق الدفاع وتوفيره للمتهم.

وتبعًا لذلك، قام جميع المحامين بالانسحاب جراء التحيّز الذي تشهده محاكمة سنية الدهماني.[11] ليتم الحكم عليها بالسجن مدة عامين[12] مع النفاذ العاجل بناء على ما قضت به الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس.

إلى جانب التجاوزات القانونية التي تخللت مسار القضايا المتعقلة بحق سنية الدهماني، فإن خلال فترة احتجازها، لجأت في شهر مارس من سنة 2025 إلى الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، كخطوة احتجاجية منها تعكس رفضها القاطع للمعاملة اللاإنسانية التي تواجهها داخل أسوار السجن. وجاء الإضراب نتيجة حرمانها من حق الزيارة العائلية، كما عبّرت في أكثر من مرة عن طريق عائلتها ومحامييها إدانتها العميقة للظروف المهينة والمتردية التي تلقاها في السجن، والتي تمسّ بأبسط مقومات المعاملة الإنسانية العادلة وتتنافى مع مقتضيات العدالة وحقوق الإنسان.

انتهاكات حقوق الإنسان:

تُجسّد قضية المحامية والإعلامية سنية الدهماني، نموذجًا للتضييق على الحريات الأساسية وانتهاكًا صارخًا للالتزامات الدولية التي صادقت عليها تونس. إن تتبع مسار قضيتها منذ اعتقالها في ماي 2024 يكشف عن نمط من الانتهاكات الممنهجة التي لم تستهدف شخصها فحسب، بل طالت أيضًا أسس العدالة وسيادة القانون.

حيث إن اعتقالها على خلفية تصريحات إعلامية بسبب تصريحاتها الإعلامية، سواء تلك التي حملت طابعًا ساخرًا “شو هاك البلاد الهائلة” أو تلك التي تناولت قضايا حساسة كالعنصرية والهجرة أو انتقادها للمنظومة السجنية في تونس. واستخدام “المرسوم عدد 54” لملاحقة الآراء يُعد قمعًا مباشرًا لحرية التعبير.

يتعارض بوضوح مع الفصل 37 من دستور الجمهورية التونسية، الذي ينص على أن “حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة، ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.”

كما يمثل خرقا لما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 19) ‘’لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.” والعهـد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 19) إذ تؤكد هذه المادة على نفس الحق، وتوضح أن أي قيود تُفرض عليه يجب أن تكون محددة بنص القانون وضرورية لاحترام حقوق الآخرين، أو سمعتهم، أو لحماية الأمن القومي، أو النظام العام، أو الصحة، أو الآداب العامة. وأن ملاحقة ضحية الانتهاك لا تندرج ضمن هذه الاستثناءات الضيقة، بل عقاب على ممارسة حق مشروع.

إلى جانب ذلك تعرضت سنية الدهماني لسلسلة من الإجراءات التي قوضت بشكل كامل حقها في محاكمة عادلة ومنصفة، وهو ما تجلى في عدة ممارسات من بينها الاعتقال التعسفي وإصدار بطاقة إيداع دون استنطاقعلاوة على الحرمان من الحق في الدفاع أثناء محاكمتها استئنافيًا في غياب محاميها، ولاحقًا في حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم دون سماع مرافعات الدفاع بعد انسحابهم احتجاجًا على التحيّز.

إلى جانب ذلك تعرضت سنية الدهماني لسلسلة من الإجراءات التي قوضت بشكل كامل حقها في محاكمة عادلة ومنصفة، وهو ما تجلى في عدة ممارسات من بينها الاعتقال التعسفي وإصدار بطاقة إيداع دون استنطاق

تعرضت الأستاذة سنية الدهماني إلى الحرمان من حقها في الدفاع أثناء محاكمتها الاستئنافية، حيث جرت الجلسة في غياب محاميها، ولاحقًا تم حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم دون سماع مرافعات الدفاع بعد انسحابهم احتجاجًا على التحيز الواضح في الإجراءات. إن سياسة “التشفي والتنكيل” التي وردت في النص، إلى جانب تجاهل قرار محكمة التعقيب العليا، تشكل انتهاكًا صارخًا لقرينة البراءة، إذ تُفرغها من مضمونها وتحول الإجراءات القضائية إلى وسيلة للعقاب المسبق بدلًا من العدالة.

كما أن حرمانها من حقها في المثول أمام المحكمة بحضور شخصي، وتبرير منعها من حضور الجلسة بحجة “تجاوز الوقت المسموح به”، يمثل انتهاكًا مباشرًا لحقها القانوني في المحاكمة العادلة والحضور الشخصي أمام القضاء.

هذا الانتهاك يتعارض مع المواثيق الدولية التي تؤكد ضمانات المحاكمة العادلة، حيث تنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن “الناس جميعًا سواء أمام القضاء”، وتكفل الحق في الدفاع الشخصي أو بواسطة محامٍ مختار، والحق في المحاكمة الحضورية، وقرينة البراءة التي تظل سارية إلى أن تثبت إدانة المتهم قانونيًا. كما يكرس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادتين 10 و11 الحق في محاكمة علنية وعادلة أمام محكمة مستقلة ونزيهة، مع تأكيد مبدأ افتراض البراءة كأحد الركائز الأساسية للعدالة الجنائية.

تجاوزت انتهاكات حقوق الإنسان المسار القضائي والإجراءات المصاحبة له، حيث تعرضت ضحية الانتهاك إلى معاملة مهينة تمسّ كرامتها الإنسانية. فقد شملت هذه الانتهاكات عملية تفتيش جسدي شملت جسدها كاملاً، ما يصنف ضمن المعاملة التي تحطّ من الكرامة الإنسانية. كما أُجبرت على ارتداءـ “السفساري” كشرط لدخول قاعة المحكمة، وهو إجراء تمييزي يُراد منه فرض وصاية رمزية تخفي هوية المتهمة وتقلل من إنسانيتها. هذا بالإضافة إلى الظروف السجنية المتدهورة التي دفعتها إلى اللجوء إلى إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجًا على المعاملة اللاإنسانية والظروف المهينة، وحرمانها من حقها الأساسي في الزيارة العائلية، ما يشكل دليلاً على انتهاك أبسط المعايير الإنسانية.

وتأتي هذه الانتهاكات في خرق صريح للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، إذ تنص المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”. كما تلزم المادة 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة الدول الأطراف بمنع أي أعمال تشكل معاملة مهينة، حتى وإن لم تبلغ درجة التعذيب. وإضافة إلى ذلك، تنص قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والمعروفة بقواعد نيلسون مانديلا، على وجوب احترام كرامة السجناء وضمان حقهم في الاتصال بالعالم الخارجي، بما في ذلك الزيارات العائلية، وتضع معايير صارمة لضمان ألا تمس إجراءات التفتيش بكرامتهم.

المصادر:

إجراء مقابلة هاتفية مع الأستاذة سنية الدهماني قبل دخولها السجن.

مراجعة مجموعة من المقالات الصحفية المنشورة على المواقع الرسمية ذات الصلة.

الاطلاع على تدوينات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي عبر الصفحة الرسمية لأخت ضحية الانتهاك، رملة الدهماني.

مقطع فيديو منشور على منصة يوتيوب يوثق عملية الاقتحام [1]

https://www.youtube.com/watch?v=mOls6PwSrRM

[1] 🎥 فيديو يوتيوب
🔗 bit.ly/video-sdh

[2] كشف ميديا – 11 جوان 2024
🔗 bit.ly/kashf-11j

[3] الترا تونس – 6 جويلية 2024
🔗 bit.ly/ultra-sdh

[4] فرانس 24 – 11 سبتمبر 2024
🔗 bit.ly/fr24-sd

[5] مكالمة هاتفية – سبتمبر 2024 (لا رابط)

[6] الصباح نيوز – 22 أوت 2024
🔗 bit.ly/sabah-sd

[7] جوهرة أف أم – 24 أكتوبر 2024
🔗 bit.ly/jawhara-sd

[8] كشف ميديا – 24 جانفي 2025
🔗 bit.ly/kashf-janv

[9] جريدة المغرب – 25 جوان 2025
🔗 bit.ly/maghreb-sd

[10] مقابلة مع المحامي – 25 جوان 2025 (لا رابط)

[11] تدوينة سامي بن غازي – 30 جوان 2025
🔗 bit.ly/sami-fb

[12] موزاييك أف أم – 30 جوان 2025
🔗 bit.ly/mosa-sdh

شاهد أيضاً

المنتدى العالمي لتطوير الإعلام يدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم الصحفيين في غزة

أصدر المنتدى العالمي لتطوير الإعلام (GFMD) وأعضاؤه العاملون في غزة، إلى جانب الجهات الداعمة والمتضامنة، …